فوائد الانضباط والطاعة
أولاً : ضبط العلاقات
يعيش المسلم في أطر علاقات أربع لابد منها لكمال وجوده وسعادته وفوزه
الدنيا والآخرة الأولى علاقته مع الله
وهذه العلاقة يستمد منها المنهج والرضا والإيمان وقد نظمت هذه العلاقة من خلال الاستجابة لأمر الله تعالى وطاعته. قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبيرُ .
ويحددها قول النبي - الوارد في الحديث الآتي: قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ .
قال: لا أَن تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تكُن تراهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » .
الثانية: علاقته مع عالم الشهادة (الدنيا)
وهو العالم الذي يعيش فيه مدة الحياة، وهي معيشة تتحدد من خلال أركان الإسلام توحيداً لله محمد الله القول تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون .
وتحقيقاً لبقية الأركان المشعة بالسمو الإيماني والأخلاقي المتكامل الذي لا اتصلح الحياة إلا به قال تعالى : ( ومن أعرض من تخري فإن له معيشة ضنكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ ام حضرتني أشفى وقد كنت بصيرا ) قال كذلك أَننَكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتُهَا وَكَذَلِكَ اليوم للسي .
الثالثة علاقته مع الوجود من حوله
وهي علاقة التوافق بين خلق الله وقول الله إذ لا يمكن أن نتصور تلك العلاقة في تمامها وتوافقها إلا من خلال التصور الإسلامي الصحيح والنظرة المستقيمة لذلك
الأمر كما جاء من عند الله تعالى
ولذا كان الإحسان مرة أخرى هو العامل المؤسس الراقي فيها
منْ هَنَّاه بن اوس له مَنْ رَسُولِ الله له فان «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَان عَلَى كل من م
من عمر بن الخطاب قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِندَ رَسُول الله الله ذات يوم لا طلع عَلَيْنَا رَجُلٌ شَديدٌ بياض اللباب شديد سواد الشعر لا يُرَى عَلَيْهِ اثر المفرول يعرفه منا أحد على جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى فاستد ركبتيه إلى ركبتيه ووضع عليه وَوَضَعَ فيديه وقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ .
فقال رسول الله الإسلام أن تعتمد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا . الطاعة
قال: صدقت قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقَهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ . ل أن تؤمن باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِن بِالقَدَرِ خَيْره وشره صدقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ قَالَ: « أَن تَعْبُدَ اللَّهَ كَانَكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » .
وبكمال هذا الضبط يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة، وتكمل طاعته المؤدية إلى
رضا الله تعالى.
ثانيا: تحقيق العزة والسيادة
يتحقق من خلال الانضباط والطاعة جمع الكلمة وتراص الصفوف المحبوب إلى
الله تعالى والمأمور به منه، قال تعالى:
إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوص ) .
الخالق الأمر. ورسالة الإسلام هي رسالة الإنسان في كل موقع وزمان تدعوه إلى الإيمان بالله
القال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العرض يقضي اللَّيْنَ النَّهَارَ يَطلَبُهُ حَثِيثا والشَّمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَات بأمره الاله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) .
وتحرير الإنسان من قيود وعوائق تمنعه حريته التي من خلالها يحدد خياره وموقعه بين قضية الإيمان أو عدمه هي مهمة المسلم التي يجاهد من أجلها في هذه الحياة
إننا لا نجاهد أعداء الدين ولا نطلب تحقيق العزة والسيادة لديننا لكي نكره
الناس على قبوله، فلا إكراه في الدين.
قال تعالى : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
ولكننا نفعل ذلك ليتحرر الناس وليصلوا إلى ميدان الحرية اللائق للإنسان كإنسان، ثم بعد ذلك نقدم لهم هدي خالقهم وربهم، ونبصرهم بالهدف الذي من اجله خلقوا ونبين لهم أن رسالة محمد هي الرسالة الخاتمة التي أمر الله بالإيمان بها، وحث الرسل أقوامهم على الإيمان بها، ونوضح لهم أن سعادتهم في الدنيا والآخرة لا تتحقق إلا من خلال الإيمان بتلك الرسالة.
ثم هو بعد ذلك بالخيار بين القبول أو عدمه
كما أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى العزة والسيادة لتطبيق المنهج وتسيير الحياة نة، ولتدفع الباطل وأهله، ولا يتم ذلك كله إلا من خلال البناء القوي لتلك الأمة
القائم على الانضباط والطاعة. لذا فإن
الطاعة طريق الوحدة
الوحدة طريق القوة
القوة تعني العزة والسيادة
قال علي : أفعلتم ما أمرتكم به ؟
قالوا: لا
قال: والله لتفعلن ما تؤمرون به، أو لتركبن أعناقكم اليهود والنصارى .
وقال حذيفة: الا لا يمشي رجل منكم شيراً إلى ذي سلطان ليذله، فلا والله لا يزال قوم أذلوا السلطان أذلاء إلى يوم القيامة .
ثالثا: عدم قوات الدنيا لا في نفس ولا في مال
من قضايا الإيمان المتجذرة في قلب المؤمن أن الله تعالى قد كتب أجله ورزقه قبل خروجه للحياة.
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ، وَهُوَ الصَّادِقِ الممَصْدُوقَ، قَالَ: «إِنْ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثلَ ذلِكَ ثم يَكُونَ مُضَعَةً مِثلَ ذلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ، اكْتُبْ عَمَلَهُ حراقة وأجله ... (الحديث).
ويعلم المؤمن أن الأمور تجري بالمقادير فهو يأخذها بقوة وشجاعة تجعله يقف على أرض صلبة من الإيمان التام بالقدر خيره وشره من الله تعالى، ليحسم من خلال الغالب الذي لا تراه. ذلك الإيمان ما يمكن أن يحدث للنفس البشرية من الهلع والخوف عن المستقبل
والذي يلوي أعناق الناس هذان الأمران الخوف على الحياة، والخوف على الرزق. فهما مسألتان قد قضي فيهما، وترسخ من خلال قول النبي عدم قدرة أحد على التقديم فيها أو التأخير أو الزيادة أو النقص غير الله.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي يوماً، فقال: نا غلام ، إِنِّي أعلمك كَلِمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجدَهُ تَجَاهَكَ، إِذا سالت فاسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت عَلَى أَن يَنْفَعُوكَ يَشَيء لَمْ ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا يشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفْتِ الصحف).
سےوفي التدليل على عدم الفوات حتى لا يخاف عامل يعمل في ميدان الدعوة فتبهره ضخامة الكيد أو يصاب بجزر نفسي وإحباط من كثرة الأسس الوهمية المدعاة التي يقوم عليها الباطل.
أورد له هذه القصة التي فيها مثل على الانضباط والطاعة وأن ملتزمهما لا يخاف فواتاً لدنيا ولا حياة. فكان هذا الفهم فائدة مستقاة من فوائد الانضباط والطاعة
وههناك تصور خاطئ أن الطاعة قد تفوت النفس أو المال أو الجاه، وهذا خطأ.
فهذا حذيفة عندما أطاع النبي - وذهب لياتي بخير الأحزاب لم يشعر ببرد ولا ريح، بل عافاه الله ببركة إجابته للنبي .
عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَن عِنْدَ حنيفة - فَقَالَ رَجُل لَوْ أَدْرَتُ رسول الله . فاللتُ مَعَهُ وابْلَيْتُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ انت كنت افعل ذلك. لقد رأيك مع رسول الله الله لَيْلَةَ الأَحْزَابِ وَأَخَتَلَنَا رِيحٌ شَدِيدَةً وَقَنَّ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : أَلا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ . معي يَوْمَ الْقِيَامَة القيامة.
فسكتنا فَلَمْ يُحِبُهُ مِنَّا أَحَدٌ ».
ثمَّ قَالَ أَلا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَومَ القِيَامَةِ . فسكتنا فلم يجبهُ مِنَّا أَحَدٌ ثُمَّ قَالَ: « أَلا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ القَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فسكن فَلَمْ يُجِبُهُ مِنَّا أَحَدٌ .
فَقَالَ: « قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ فلم أجد بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقوم قَالَ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ ، ولا تَدْعَرْهُمْ عَلَيَّ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أمْشِي فِي حَمَّامِ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْما . الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - وَلَا تَدْعَرْهُمْ عَلَيَّ، وَلو رَمَيْتُهُ لأَصَبْتُهُ، فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ
وَفَرَعْتُ فَرِرْتُ فَالْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: « قُمْ يَا نَوْمَانُ »
وحكي عن أحد علماء الجهاد في الجزائر أن إخوانه قالوا له: متعنا بنفسك فإنك تعرض نفسك للمخاطر.
فقال لهم بلهجته: (( الله مو خداع، وأنا مو طماع .
المنضبط ويقصد أن الأجل الذي حدده الله له لا يمكن الإخلاف به إذا وقع في ورطة قبل موعده، وأنه لا يطمع في الزيادة، فقد رضي بما كتبه الله له، وهذا هو شأن المؤمن المنبط .
رابعا: الهداية إلى الصراط المستقيم لا سيما في الأمور المشكلة، والمواقف المباغتة
إن تكرير المسلم لطلب الهداية إلى الصراط المستقيم في قوله تعالى : اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، هو تمام القصد الذي يحققه الانضباط والطاعة في النفس البشرية، واستقامة تلك النفس على الهدى ومجاهدتها فيه لأجل أن تبقى هي أولاً في دائرة السعادة والسرور الذي يطلبه الإنسان في حياته، ولتبقى ثانية في دائرة حسن التعامل مع الآخرين من خلال منهج أخلاقي مستقيم يجلب الخير ويدفع الشر. وإن قوة الطاعة والانضباط تحقق ذلك الهدف من استقامة النفس البشرية لذا فإن
الطاعة تعني مجاهدة النفس والانتصار على ميولها وأهوائها.
وعد الله لمن جاهد نفسه أن يوفقه إلى طريق الهداية والخلاص قال
تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ .
قال ابن عطية رحمه الله في الآية: (( وهي قبل الجهاد العرفي، إنما هو جهاد عام
في دين الله وطلب مرضاته )).
وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو
نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وعظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفس في طاعة الله، وهو الجهاد الأكبر.
وإن الله مع المحسنين ) بالنصرة والمعونة، والحفظ والهداية، ومع جميع الناس بالإحاطة والقدرة .
فتكون فائدة المجاهدين في طاعة الله امرين التوفيق للخير والإيمان والسعان
والعون والتأييد والحفظ)) .
والمزيد من الثبات على الطاعات يحقق
يثيب الله على الطاعة بالتوفيق لطاعة أخرى.
يعاقب الله على المعصية بمعصية أخرى.
عدم الطاعة فتح لضياع ثمرات الجهاد والصبر والجهود
قال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثوَابًا وَخَيْرُ مَرَدًّا .
تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ).