عندما طفت العالم!
لمن لا يعرفني ، أنا رحالة كابن بطوطة ، أهوى السفر ولا
أكاد أستقر في بلدا
زرت بلادا لم يسمع عنها السندباد!
واجتزت بحارا لم يتبلل علي بابا بقطرة من مائها
أكلت طعام شهية دسمة في بلاد نائية لم تخطر على بال
أشعب
رأيت نساء جميلات لم يرهن عمر بن أبي ربيعة يوم كان
يحسب أن الجميلات هن فقط هند ودعدا
بلغت حدودا لم تبلغها غيمة الرشيد التي كان يقول لها :
أمطري حيث شئت فسيعود إلي خراجك!
دخلت مكتبات لا يعرف المأمون شيئا عنها ليمنح وزن
الكتاب ذهبا
تمددت على شواطئ بحارها بلون السماء ، وقف على
جهتها المقابلة عقبة بن نافع معتقدا أنه ليس وراء البحر
بلاد أخرى!
رأيت أمراضا لم يسمع عنها ابن سينا ولا أبقراط
والتقيت شعراء عددهم أكثر بمئات المرات من الذين ضحيه
مجلس سيف الدولة يوم قذف المتنبي بدواة الحبرا
أحب أن أرى الأنهار تجري نحو مصرعها في البحر
ويسحرني خرير الماء ، موسيقى عذبة تعزفها القطرات
بأصابع الفتنة على قيثارة الأرض!
أما الشلالات فتلك فتنة أخرى ، لم أسمع بشكل ساحر إلا
زرته
زرت شلالات فيكتوريا في نهر زامبيري على الحدود بین
زامبيا وزيمبابوي
هناك لا شيء إلا الماء صوتا وطعم ولونا ورائحة
لا تصدقوا أولئك الذين قالوا ليس للماء طعم ولا لون ولا
رائحة ، هناك ستعرف أن ما قالوه هراء
زرت اشلال آنجل في فنزويلا آية من آيات الخالق ، يقع
في غابة استوائية نائية ليس من السهل أن يبلغها البشر
ليشوهوها ، هناك الماء له رائحة التوابل ، ونقاء الزجاج
زرت شلال إجواز على الحدود بين البرازيل والأرجنتين
ذلك شلال لا تشعر وأنت تنظر إليه إلا أنه
يهوي رغما عنه
تحسبه يقفز بإرادته ، كمن يمارس هواية مفضلة ولكنه لا
يكف عن ممارستها أبد الدهر؟
عن شلال جولفوس في أيسلندا فلا أعرف ما أقول ،
كيف يصف الإنسان شلالين أحدهما يصب في الآخر ، أي
لغة تسعه ليفعل هذا ، وأي كلمات؟!
هناك تعرف أن كل ما تكبدته من وعثاء الطريق للوصول
إلى هذا لم يكن شيئة
أحب القهوة كثيرة ، وإليها أشد الرحال ، وأضرب أكباد
الإبل ، ما سمعت يوما بمكان دار فيه القهوة إلا أتيته
لا بحثا عن الطعم فقط ، ولكن عن الرائحة أيضا، رائحة
القهوة أحد عطوري المفضلة التي لا تجاربها كل عطور
باريس ولو وضعوا فرنسا كلها في زجاجة عطرا
في نجد شربت قهوة عربية تخيل أن يجتمع البن
والزعفران والهيل في فنجان واحدا
هذا ناهيك عن طعم التاريخ ، هناك الفناجين فيها شيء
من حزن الخيال
وهي ترثي صخرا
صدقوني يمكن أن يشعر المرء بحزن القهوة!
وعلى وجه الفنجان تری قس بن ساعدة يخطب العرب
في سوق عكاظ بحضرة نبيهم الذي لم يصبح نبيا بعد!
شربت قهوة تركية في اسطنبول ، فيها طعم الفتوحات
ورائحة محمد الفاتح على أبواب القسطنطينيه قهوه لها
طعم عزة ، : تذكرك بالسلطان عبد الحميد وهو يقول
ان كل الم يخضع في جسدي أهون على من
المقدس من دولتي
وقال لي ايميري النادل حين قدمها لي : القهوة تشرب
على مهل!
وفي روما شربت الأسبرسو ، قهوة فاتنة ، سميكة وكثيفه
لا تشوبها شائبة ، كأن أفلاطون أعدها في مدينته الفاضلة ،
وكأن سقراط ناوله البن ، وأرسطو حضر له الفناجين
للإسبربسو رغوة ذهبية ، وإضافة السكر اليها جريمة
فإياك أن ترتكبها
وفي باريس شربت قهوة لاتيه على أصولها ، كانت الشهية
جدا ترددت بادئ الأمر أن أشربها ، فلم استسغ فكرة
أن يجتمع الحليب والقهوة في فنجان ، ولكن ماركوس
اللاتيني شجعني ، فشربتها ، فأخبرني عن وصفتها السرية ،
وقال لي : اكتب عندك : الاتيه تساوي 60 ملل اسپرسو
و ٣۰۰ ملل من الحليب المبخر ، و2 ملل
المخفوق ، وإياك أن تزيد
أحب الشواطئ كثيرا أحسبها قلعة من الجنة على
الأرض ، لا هي يابسة ولا هي بحر هكذا هي بين بين بینین
ايمم وجهي شطرها دوما
أيمم وجهي شطره دوم
زرت شاطئ وایت هافن في أستراليا، كان جميلا حد
الذهول ، أنقى شاطئ رملي في العالم ، والبشر ليسوا ببالغيه إلا بشق الأنفس
إذا أخذت کمشة رمل منه غرموك خمسين ألف دولار
ولكني أخذت ولم يخبطني أحد
أما عن شاطى بوتالي في هاواي فحدث ولا حرج
هل رأيته شاطئا أسود
هكذا هو ۰۰۰
رمله حالك كأن الليل يختبئ فيه إذا جاءته
اجحافل الضوء تفودها شمس الصباح وقد صار هكذا
نتيجة : تلاقي الحمم البركانية الملتهبة مع مياه المحيط
الباردة!
وزرت شاطىء نوجوي في زنجبار ، هناك حيث ينزلق
الرمل ، تحت قدميك بنعومة ، فتشعر أن ثمة من يداي لك
قدميك؟
و وزرت شاطىء نافاجيو في اليونان ، تقول الأساطير أن
القراصنة يدفنون كنوزهم هناك ثم يضلون الطريق إليها،
فذهبت وحفرت ، ولكني مثلهم ضللت الطريق!
ولكن من يحفل بضياع كنز حينما يكون على مقربة من
البحر بعيدا عن الناس!
أحب المكتبات كثيرة ، شيئان لا يمكنني أن أتصور الأرض
بدونهما ، المكتبات والمساجد، وما تبقى كماليات
تغريني الكتب ، وهي عندي
أكثر فتنة
من
النساء ، لدرجة
لا أستطيع أن أقول لا المكتبة قالت لي هيت لك!
زرت مكتبة أدمونت أيبي في النمسا، تخيلوا
معي
مكتبة
أعلى جبال الألب ، هناك حيث مر هنيبعل في إحدى أجرأ
ا
لمجازفات في التاريخ
في المكتبة ما يقارب مئتي ألف کتاب! هذا مكان تود لو
أغلقوه عليك وانصرفوا
زرت مكتبية جورج بيودي في ميريلاند في الأمم المتحدة
الرهيب في المكتبة أنها تحوي الأصول النادرة الأوائل الكتب
المطبوعة على وجه الأرض ، إنها فتنة رائحة الحبر الأولى
وقد عتقها الزمن ، إن الحبر إذا تعتق فاق النبيذ فتكا
أحب الطعام الشهي ، وأتتبعه من مكان إلى مكان كما كان
العرب پرتحلون من مكان إلى مكان بحثا عن الكلأ والماء
الطعام ثقافة وحضارة وليس مجرد وجبة نقتاتها
قل لي ماذا تطهو أقل لك من انت
التوابل في الهند هوية بلد وليست منكهات
والمدفون في جزيرة العرب أكثر من لحم وأرزا
البيتزا في إيطاليا ليست نوعة زائدة على المعجنات
والكنافة في نابلس ليست مجرد حلوى؟
زرت مطعم «el celler de can moca» في إسبانيا ، هناك
طعم المحار مذهل ، ولا أعتقد أن مكانا أخر على وجه
الأرض يمكنه أن يقدمه بهذه الطريقة ، هذا المطعم لكأنما
قطعة من أعماق المحيط!
زرت مطعم «osteria francescana» في إيطاليا ، هناك
الباستا و التي يطهوها ماسيمو بوترا تخبرك عن إيطاليا
أكثر مما تفعل أزياء ميلانو ، وأكثر مما يفعل فريق السيدة
العجوزا
زرت مطعم «narisiana» في اليابان ، وأكلت السوشي
على أصولها ، في اليابان أي شيء لا يخطر لك على بال
يمكن أن يصبح وجبة ، هؤلاء القوم يأكلون أي شيء ،
ويعبدون أي شيء ولكنهم في العلم والعلوم والأخلاق لا
يرضون بأي شيء!
أحب الأماكن التاريخية كثيرة ، أراها أكثر من مجرد
حجارة ، وأوافق المجنون قوله يوم قال :
أمر على الديار دیار لیلی
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
زرت سور الصين الذي بدأ بناءه تریکو تشانغو ليحمي
الصين من أعدائها ، تخيل كيف يمكنك الا ترى بناء يمكن
رؤيته عن سطح القمر، هناك حين تتمشي على ظهر السور تشعر
أنك
تمشي على التاريخ ، ثم ينتهي السور عند مکسر
الموج على الشاطى
زرت الكولوسيوم في روما ، مرتع النشاطات الفكرية
والثقافية لخمسمئة عام تتری!
هناك يجتمع الفكر والجنون على صعيد واحد؟
بناه فلافيو فنسبازیان ، وأحرقه نیرون!
زرت تاج محل ، هناك تعرف كيف يمكن للحب أن يكون
أقوى من الموت!
تموت تاج محل الأميرة الفاتنة ، فيمضي زوجها شاه
جیهان ستة عشرة عاما يبني لها قبرة ، حتى خرج تحفة
معمارية
تجمع عمارة الفرس وعمارة العثمانيين على صعيد واحدا
أتمنى أنكم استمتعتم بالرحلة التي أخذتكم بها معي حول
العالم ، بقي أن أخبركم أني لا أسافر ، وأني أحمل وثيقة
بالكاد يمكن تسميتها جواز سفر! ترفضها أغلب السفارات
وتتوجس منها معظم المطارات ، ولكني قررت رغما عن
هذا الكوكب وحكوماته أن أسافر ، فقرأت كثيرا قرأت
لأني اكتشفت أن الكتب جوازات سفر الفقراء والمضطهدين
والمطرودين الذين تركلهم السفارات وتطردهم المطارات
